فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي: شرك.
وقال الزجاج: حتى لا يفتن الناس فتنة كفر؛ ويدل عليه قوله: {ويكون الدين كله لله}.
قوله تعالى: {فإن انتهوا} أي: عن الكفر والقتال {فإن الله بما يعملون بصير}.
وقرأ يعقوب إلا روحًا {بما تعملون} بالتاء. اهـ.

.قال الخازن:

{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}
قال ابن عباس: حتى لا يكون بلاء {ويكون الدين كله لله} يعني تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره، وقال قتادة: حتى يقال لا إله إلا الله عليها قاتل نبي الله صلى الله عليه وسلم وإليها عاد وقال محمد بن إسحاق في قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله يعني لا يفتن مؤمن عن دينه ويكون التوحيد لله خالصًا ليس فيه شرك ويخلع ما دونه من الأنداد والشركاء {فإن انتهوا} يعني عن الشرك وإفتان المؤمنين وإيذائهم {فإن الله بما يعملون بصير} يعني فإن الله لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد ونياتهم حتى يوصل إليهم ثوابهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وقَاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}.
تقدم تفسير نظير هذه الآية وهنا زيادة {كله} توكيدًا للدّين.
وقرأ الأعمش: ويكون برفع النون والجمهور بنصبها.
{فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير} أي {فإن انتهوا} عن الكفر ومعنى بصير بإيمانهم فيجازيهم على ذلك ويثيبهم، وقرأ الحسن ويعقوب وسلام بن سليمان بما تعملون بالتاء على الخطاب لمن أمروا بالمقاتلة أي بما تعملون من الجهاد في سبيله والدعاء إلى دينه يصير يُجازيكم عليه أحسن الجزاء. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وقاتلوهم} عطف على قل، وقد عُمّم الخطابُ لزيادة ترغيبِ المؤمنين في القتال لتحقيق ما يتضمنه قوله تعالى: {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الاولين} من الوعيد {حتى لاَ تَكُونَ فتناه} أي لا يوجَدَ منهم شركٌ {وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ} وتضمحِلَّ الأديانُ الباطلةُ إما بإهلاك أهلِها جميعًا أو برجوعهم عنها خشية القتل {فَإِنِ انْتَهَوْاْ} عن الكفر بقتالكم {فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فيجازيهم على انتهائهم عنه وإسلامِهم، وقرئ بتاء الخطاب أي بما تعملون من الجهاد المُخرِجِ لهم إلى الإسلام، وتعليقُه بانتهائهم للدلالة على أنهم يثابون بالسببية كما يثاب المباشِرون بالمباشرة. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}
{وقاتلوهم} عطف على {قُلْ} [الأنفال: 38] وعم الخطاب لزيادة ترغيب المؤمنين في القتال لتحقيق ما يتضمنه قوله سبحانه: {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الاولين} [الأنفال: 38] من الوعيد {حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي لا يوجد منهم شرك كما روى عن ابن عباس والحسن، وقيل: المراد حتى لا يفتتن مؤمن عن دينه {وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ} وتضمحل الأديان الباطلة كلها إما بهلاك أهلها جميعًا أو برجوعهم عنها خشية القتل، قيل: لم يجيء تأويل هذه الآية بعد وسيتحقق مضمونها إذا ظهر المهدي فإنه لا يبقى على ظهر الأرض مشرك أصلًا على ما روى عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه {فَإِنِ انْتَهَوْاْ} عن الكفر بقتالكم {فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} الجملة قائمة مقام الجزاء أي فيجازيهم على انتهائهم وإسلامهم، أو جعلت مجازًا عن الجزاء أو كناية وإلا فكونه تعالى بصيرًا أمر ثابت قبل الانتهاء وبعده ليس معلقًا على شيء.
وعن يعقوب أنه قرأ {تَعْمَلُونَ} بالتاء على أنه خطاب للمسلمين المجاهدين أي بما تعملون من الجهاد المخرج لهم إلى الإسلام، وتعليق الجزاء بانتهائهم للدلالة على أنهم يثابون بالسببية كما يثاب المباشرون بالمباشرة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}
عطف على جملة {إن الذين كفروا ينفقون أموالَهم} [الأنفال: 36] الآية، ويجوز أن تكون عطفًا على جملة {فقد مضتْ سنة الأولين} [الأنفال: 38] فتكون مما يدخل في حكم جَواب الشرط.
والتقدير: فإن يعودوا فقاتلوهم، كقوله: {وإن عدتم عدنا} [الإسراء: 8] وقوله: {وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله} [التوبة: 3] والضمير عائِد إلى مشركي مكة.
والفتنة اضطراب أمر الناس ومَرَجهم، وقد تقدم بيانها غير مرة، منها عند قوله تعالى: {إنما نحن فتنةٌ فلا تكفر} في [سورة البقرة: 102] وقوله: {وحسبوا أن لا تكون فتنة} في [سورة العقود: 71].
والمراد هنا أن لا تكون فتنة من المشركين لأنه لما جُعل انتفاء والفتنة غاية لقتالهم، وكان قتالهم مقصودًا منه إعدامُهم أوْ إسلامهم، وبأحَد هذين يكون انتفاء الفتنة، فنتج من ذلك أن الفتنة المرادَ نفيُها كانت حاصلة منهم وهي فتنتهم المسلمين لا محالة، لأنهم إنما يفتِنون مَن خالفهم في الدين فإذا أسلموا حصل انتفاء فتنتهم وإذا أعدمهم الله فكذلك.
وهذه الآية دالة على ما ذهب إليه جمهور علماء الأمة من أن قتال المشركين واجب حتى يسلموا، وأنهم لا تقبل منهم الجزية، ولذلك قال الله تعالى هنا: {حتى لا تكون فتنة} وقال في الآية الأخرى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون} [التوبة: 29].
وهي أيضًا دالة على ما رآه المحققون من مؤرخينا: من أن قتال المسلمين المشركين إنما كان أوله دفاعًا لأذى المشركين ضعفاء المسلمين، والتضييقِ عليهم حيثما حلوا، فتلك الفتنة التي أشار إليها القرآن ولذلك قال في الآية الأخرى: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل} [البقرة: 191].
والتعريف في {الدين} للجنس وتقدم الكلام على نظيرها في سورة البقرة، إلاّ أن هذه الآية زيد فيها اسم التأكيد وهو {كله} وذلك لأن هذه الآية أسبق نزولًا من آية البقرة فاحتيج فيها إلى تأكيد مفاد صيغة اختصاص جنس الدين بأنه لله تعالى، لئلا يتوهم الاقتناع بإسلام غالب المشركين فلما تقرر معنى العموم وصار نصًا من هذه الآية عُدل عن إعادته في آية البقرة تطلبًا للإيجاز.
وقوله: {فإن الله بما يعملون بصير} أي عليم كناية عن حسن مجازاته إياهم لأن القادر على نفع أوليائه ومطيعيه لا يحُول بينه وبين إِيصال النفع إليهم الإخفاء حال من يُخلص إليه، فلما أخبروا بأن الله مطلع على انتهائهم عن الكفر إن انتهوا عنه وكان ذلك لا يظن خلافه علم أن المقصود لازم ذلك.
وقرأ الجمهور: {يعلمون} بياء الغائب وقرأه رُوَيْس عن يعقوب بتاء الخطاب. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}
وهذا أمر من الله عز وجل بالقتال، والقتال مفاعلة تحدث بين اثنين أو أكثر، أي اشتباك بين مقاتل ومقاتل. ولذلك عندما تسمع كلمة قتال يتبادر إلى ذهنك وجود طرفين اثنين وليس طرفًا واحدا، أو بين فريق وفريق آخر.
وعندما يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ} نفهم أن هذا أمر للمؤمنين ليقاتلوا الكفار، ولابد أن يكون الكفار قد فعلوا شيئا يستحق أن يقُاتلوا عليه، أو أنهم يبيتون للمؤمنين القتال وعلى المؤمنين أن يواجهوهم ويقاتلوهم. ولم يقل الله سبحانه وتعالى: اقتلوهم بل قال: {قاتلوهم}؛ أي مواجهة فيها مفاعلة القتال. والتفاعل معناه أن الحدث لا يأتي من طرف واحد بل لابد من مقابل معه. فأنت تقول: قابلت أي أنك قابلت شخصًا، وهو قابلك أيضًا، وهذه مفاعلة. أو تقول: شاركت أي أنك اشتركت أنت وآخر في عمل ما. وهنا قال الحق سبحانه وتعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 39].
ومعنى ذلك أن هناك قتالًا يؤدي للقتال. وجاء القتال ليحسم الأمر؛ لأن ترك هؤلاء الكفار يعتدون على المسلمين، ويأخذون أموالهم بالباطل، فيرى الناس المؤمنين أذلة مستضعفين، والكفار عالين أقوياء فتحدث فتنة في الدين، أي يفتن الناس في دينهم وهم يرون الذل دون أي محاولة أو تحرك لدفعه.
ويريد الله سبحانه وتعالى أن تنتهي الفتنة. والفتنة هي الاختبار. وكما قلنا: إن الاختبار ليس مذمومًا لذاته، ولكنه يُذم بنتيجته. فإن رسب الطالب في الاختيار تكون نتيجة الاختيار مذمومة. وإن نجح تكون محمودة. ولقد كان كفار قريش يفتنون الناس في دينهم بتعذيبهم تعذيبًا شديدًا حتى تخور قواهم ويخضعوا لأحكامهم. وأراد الله سبحانه وتعالى أن يضع نهاية لهذا الظلم. فإذن بقتالهم؛ لأنهم هم الذين فعلوا ما يستوجب قتالهم.
ونجد قوله سبحانه وتعالى: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله} [الأنفال: 39].
بينما نجد أنه قد ذكر في سورة البقرة بدون {كله}، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى فيها: {وَيَكُونَ الدين للَّهِ} [البقرة: 193].
دون أن تذكر كلمة {كله} ولكل آية لقطة ومعنى؛ لأن كل لفظ في القرآن له معنى، فقوله تعالى: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله} يعني أنه لا يجب أن يجتمع دينان في جزيرة العرب وقد حدث. وأما قوله تعالى: {الدين للَّهِ}
فقد أعطتنا لقطة أخرى، فالأولى تخص العرب والجزيرة العربية، والثانية تعني أن الإسلام للعالم كله، ويقول الحق سبحانه وتعالى في الآية التي نحن بصددها: {فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 39].
وقوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْاْ} أي استجابوا وأطاعوا، وقوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي فليحذروا أن يتم هذا خداعًا لأن الله بصير بهم، ومطلع عليهم، وما داموا قد انتقلوا من حظيرة الكفر إلى حظيرة الإيمان فالله يمحو سيئاتهم ويبدلها حسنات؛ لأن قوما عاشوا على الكفر وألفوا خصاله ثم تركوا ذلك إلى الإيمان فهذا أمر صعب يحتاج إلى جهاد شديد مع النفس، ويثيبهم الله تعالى بقدر مجاهدتهم لأنفسهم، ويثيبهم المولى سبحانه وتعالى بسخاء.
وهناك معنى ثان في قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 39].
أي: فيا من وقفتم موقف العداء من الإيمان، وتعرضتم للكافرين التعرض الذي أعاد لهم التهذيب وحسن التعامل مع المؤمنين، اعلموا أنه سبحانه وتعالى بصير بما عملتم ليكون الدين كله لله.
وهكذا نرى أن كلا من المعنيين يكمل الآخر. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{ويكون} العامَّةُ على نصبه، نسقًا على المنصُوبِ مرفوعًا على الاستئناف. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)}
أمرهم بمقاتلة الكفار والإبلاغ فيها حتى تُسْتأصل شأفتُهم بحيث يأَمَن المسلمون مَضَرَّتَهم، ويكفَونُ بالكلية فتنتهم.. وحَيَّةُ الوادي لا تُؤْمَنُ ما دامت تبقى فيها حركة؛ كذلك العدو إذا قُهِر فحقُّه أن تُقْتلعَ جميعُ عروقه، وتُنَقَّى رِبَاعُ الإسلام من كل شكيرة تنبت من الشرك. اهـ.

.تفسير الآية رقم (40):

قوله تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

وإن لم ينتهوا بل أقدموا على قتالكم، هكذا كان الأصل، ولكنه سبحانه عبر بقوله: {وإن تولوا} أي عن الإجابة تبشيرًا لهم بهزيمتهم وقلة ثباتهم لما ألقى في قلوبهم من الرعب، ويؤيد ذلك قوله: {فاعلموا أن الله} أي الذي له الإحاطة الكاملة بكل شيء {مولاكم} أي متولي أموركم فهو يعمل معكم ما يعمل من يتولى امر من يحبه من الاجتهاد في تحصيل ما ينفعه ودفع ما يضره فهو لا محالة ناصركم؛ ثم استأنف مدحه بما هو أهله تعريفًا بقدره وترغيبًا في تولية فقال: {نعم المولى} ولم يدخل فاء السبب هنا لأن المأمور به العلم، واعتقاد كونه مولى واجب لذاته لا لشيء آخر، بخلاف ما في آخر الحج، فإن المأمور هناك الاعتصام {ونعم النصير} أي فلا تخافوهم أصلًا وإن زادت كثرتهم وقويت شوكتهم فلا تبارحوهم حتى لا يكون إلا كلمة الله. اهـ.

.قال الفخر:

{وَإِن تَوَلَّوْاْ} يعني عن التوبة والإيمان {فاعلموا أَنَّ الله مَوْلاَكُمْ} أي وليكم الذي يحفظكم ويرفع البلاء عنكم، ثم بين أنه تعالى: {نِعْمَ المولى وَنِعْمَ النصير} وكل ما كان في حماية هذا المولى وفي حفظه وكفايته، كان آمنًا من الآفات مصونًا عن المخوفات. اهـ.